سلط المعرض الوطني المغربي في بينالي البندقية للهندسة المعمارية 2025 الضوء على التحديات التي تطرحها الزلازل في المنطقة، من خلال رؤية معمارية تجمع بين المادة والذاكرة والقدرة على مواجهة الكوارث الطبيعية. المعرض، الذي حمل عنوان "Materiae Palimpsest"، قدم نفسه كمنظر معماري يدمج بين النماذج البحثية للبناء والتصميم الفني، من خلال مجموعة أعمدة مشيدة بمواد طبيعية محلية مثل الطين المضغوط والحجر والخشب، مأخوذة من مختلف مناطق المغرب، ومرتبة في شكل ممرات توحي بأطلال معمارية تشبه ما يخلفه الزلزال. هذه الأعمدة احتضنت في وسطها هولوغراما يمثل البعد الإنساني والمعرفة المتوارثة، في تفاعل مقصود بين الهشاشة الرمزية للإنسانية وصلابة المواد الطبيعية.
وأوضح المهندس المعماري خليل مراد الغيلالي، المشارك في تنسيق المعرض إلى جانب المهدي بليسمين، أن هذه الهياكل تمثل نماذج مصغرة لنتائج أبحاثهما حول كيفية إحياء تقنيات البناء المحلية واستخدامها في إنشاء عمارة مقاومة للزلازل. وأشار إلى أن الفريق جمع ما يقارب 136 تقنية ومواد بناء مختلفة من شمال المغرب إلى جنوبه، وتم دمجها في 72 عمودا داخل المعرض، لتكون بمثابة دليل للمهندسين المعماريين المهتمين بالتنمية المستدامة.
هذا التوجه يكتسب أهمية خاصة في ضوء الزلزال المدمر الذي شهده المغرب سنة 2023، حيث أثبتت بعض الهياكل التجريبية التي صممها فريق الغيلالي قرب مركز الزلزال قدرتها على الصمود دون أضرار، بفضل الجمع بين الحرفية التقليدية والتقنيات الهندسية الحديثة. هذا النهج يهدف إلى إعادة تأطير الطرق التقليدية باعتبارها حلولا قابلة للتطوير وفعالة تقنيا مقارنة بالبناء الصناعي القائم على الخرسانة. وأوضح الغيلالي أن الهدف ليس العودة إلى الماضي بحنين مجرد، بل تطوير الحرف المحلية عبر تحسينات عملية في الهندسة المعمارية مع مراعاة قدرة المجتمعات المحلية على التطبيق الواسع.
ويشدد المهدي بليسمين على أن العمل بالأرض واستخدام التربة المحلية والأدوات التقليدية والمعرفة المتوارثة يمثل استمرارية وليست مجرد استحضار للماضي، قائلا: "إنها ليست نوستالجيا، بل استمرار. الأمر يتعلق بالبناء بعناية واحترام للأشخاص والمكان."
هذا التوجه حمل أيضا نقدا واضحا للتعليم المعماري المعاصر الذي يركز كثيرا على المفاهيم النظرية على حساب المعرفة العملية بالمادة وأساليب البناء، إذ يرى الغيلالي أن إعادة الاعتبار لهذه المهارات اليدوية تمثل عودة إلى عمليات بناء تعاونية تنطلق من القاعدة، وتعيد ربط المعماري بالمكان والمواد والإنسان، وهو ما يرمز إليه الهولوغرام الموجود في قلب المعرض.