الأربعاء، 10 ديسمبر 2025

ولاية رابعة .. هل انتهى زمن تجديد النخب داخل الاتحاد الاشتراكي؟


جدد المؤتمر الوطني الثاني عشر لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المنعقد بمدينة بوزنيقة، الثقة في إدريس لشكر كاتبا أولا للحزب لولاية رابعة متتالية، بعد أن تم تعديل النظام الأساسي بما يسمح بالتمديد في حال اقتضت المصلحة العليا ذلك. غير أن هذا القرار الذي حظي بموافقة أغلبية ساحقة تجاوزت 1600 صوت، فتح الباب أمام جدل واسع داخل البيت الاتحادي وخارجه حول طبيعة هذا الاختيار ومغزاه السياسي في لحظة دقيقة من تاريخ الحزب والحياة الحزبية المغربية عامة.

جاء المؤتمر في سياق وطني ودولي يتسم بالتحولات المتسارعة، وبحاجة البلاد إلى تجديد نخبها السياسية والفكرية لمواكبة متطلبات التنمية والديمقراطية. غير أن اختيار الحزب الاستمرار في النهج ذاته أعاد إلى الواجهة النقاش القديم حول حدود الديمقراطية الداخلية وتداول القيادة داخل الأحزاب، خصوصا تلك التي ترفع شعارات الحداثة والتقدمية. فبينما يرى أنصار لشكر أن المرحلة تحتاج إلى قيادة خبيرة وقادرة على ضمان وحدة الحزب واستقراره التنظيمي، يعتبر المنتقدون أن القرار يشكل تراجعا عن روح التجديد التي ميزت الاتحاد الاشتراكي لعقود، وأنه يكرس منطق الزعامة بدل التداول.

السؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو مدى قدرة الحزب على إقناع الرأي العام بخطابه الديمقراطي وهو يعجز عن تجديد نخبه الداخلية. فالحزب الذي كان مدرسة لتكوين الأطر وفضاءً لإنتاج الفكر السياسي، يبدو أنه بات رهيناً لخيارات احترازية تضع الاستقرار فوق التغيير. هذا المنحى قد يمنحه بعض التماسك الآني، لكنه يحمل في طياته مخاطر فقدان الجاذبية لدى فئات واسعة، خصوصاً الشباب الذين كانوا ينتظرون لحظة انتقال حقيقية تتيح لهم المشاركة في القرار الحزبي وصناعة مستقبله.

في نظر كثيرين، لم يعد التحدي مرتبطا بشخص إدريس لشكر بقدر ما يرتبط ببنية الحزب وقدرته على تجديد ذاته في عالم سياسي سريع التحول. فالمغرب يعيش دينامية سياسية تتطلب كفاءات جديدة ورؤى مبتكرة، والحزب الذي لا يجدد نخبه ولا يفسح المجال لأجياله الصاعدة، يعرض نفسه تدريجيا للعزلة وفقدان التأثير.

انتخاب لشكر لولاية رابعة قد يمنح الاتحاد الاشتراكي استمرارية في القيادة، لكنه في الوقت ذاته يضعه أمام اختبار عسير: هل يستطيع الحزب أن يحول هذا التمديد إلى مرحلة انتقالية نحو تجديد حقيقي للنخب والخطاب؟ أم أنه سيبقى أسير منطق الزعامة الذي يضعف ثقة المواطنين في الأحزاب السياسية؟

مهما كانت الإجابة، يبقى واضحا أن الولاية الرابعة لإدريس لشكر تمثل لحظة مفصلية في مسار الاتحاد الاشتراكي، بين منطق الحفاظ على الاستقرار التنظيمي ومنطق الحاجة إلى التغيير الديمقراطي. وفي ظل غياب إشارات قوية على تجديد الدماء داخل الحزب، يبدو أن اليسار المغربي يواجه مرة أخرى معضلة الزمن السياسي: كيف يمكن أن يتحدث عن المستقبل وهو لا يزال عالقا في الماضي.