الأربعاء، 10 ديسمبر 2025

المغرب يرتقي إلى مصاف الدرجة الاستثمارية.. ماذا يعني رفع تصنيفه الائتماني إلى “BBB”؟


في خطوة وصفت بالتاريخية في مسار الاقتصاد الوطني، أعلنت وكالة ستاندرد آند بورز رفع التصنيف السيادي للمغرب إلى “BBB-/A-3” مع نظرة مستقبلية مستقرة، وهو ما يضع المملكة لأول مرة منذ سنوات ضمن خانة الدرجة الاستثمارية التي تحظى بثقة الأسواق الدولية. هذا القرار لا يعتبر مجرد رقم في تقارير المؤسسات المالية العالمية، بل هو انعكاس لمسار إصلاحي متدرج، وسياسات رشيدة في تدبير المالية العمومية، وإشارات قوية للمستثمرين الدوليين.

تقرير الوكالة أوضح أن القرار يستند إلى مزيج من السياسات الاقتصادية الكلية السليمة والإصلاحات الهيكلية والاجتماعية والمالية التي اعتمدتها المملكة خلال العقد الأخير. كما توقعت المؤسسة أن يتقلص عجز الموازنة إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2026، بدعم من ارتفاع الإيرادات الحكومية وترشيد النفقات العمومية وتوسيع قاعدة الموارد الجبائية. والأهم أن النظرة المستقبلية المستقرة تعكس ثقة في قدرة المغرب على الحفاظ على هذا المسار، خصوصا في ظل تقلبات الاقتصاد العالمي وارتفاع المخاطر الجيوسياسية.

هذا الارتقاء إلى الدرجة الاستثمارية ليس مجرد اعتراف دولي بالجهود الوطنية، بل يمثل رسالة طمأنة للمستثمرين الأجانب والمؤسسات المالية الدولية. فالتصنيف الجديد يعني أن أدوات الدين السيادي المغربي باتت أكثر جاذبية وأقل مخاطرة، مما يسهل الولوج إلى الأسواق المالية بشروط أفضل وبكلفة اقتراض أقل. كما أن التصنيف يعزز من قدرة المغرب على استقطاب استثمارات مباشرة في قطاعات استراتيجية مثل الطاقات المتجددة، صناعة السيارات والطيران، الاقتصاد الرقمي، واللوجستيك.

ويربط تقرير ستاندرد آند بورز الأداء الاقتصادي القوي للمغرب بمجموعة من الإصلاحات التي تم إطلاقها، على رأسها إصلاح أنظمة الحماية الاجتماعية وتعميم التأمين الصحي، وتطوير البنية التحتية من الموانئ والطرق السريعة إلى مشاريع الطاقة المتجددة العملاقة، وتنويع الاقتصاد عبر دعم الصناعات التصديرية وتقوية الاقتصاد الرقمي، إلى جانب إصلاح المالية العمومية من خلال تعزيز الإيرادات وترشيد النفقات. هذه الأوراش تعكس رؤية استراتيجية تجعل الاقتصاد المغربي أكثر تنوعا ومناعة أمام الصدمات وأكثر قدرة على تحقيق نمو مستدام.

ويكتسب رفع تصنيف المغرب أهمية إضافية عند وضعه في سياقه الإقليمي، إذ يعكس تفوق المملكة على عدد من دول الجوار التي تواجه ضغوطا مالية واقتصادية متزايدة. ففي الجزائر، ورغم مواردها النفطية والغازية، لا تزال التصنيفات الائتمانية عند مستويات أدنى من الدرجة الاستثمارية بسبب ضعف تنويع الاقتصاد واعتماد كبير على المحروقات وتذبذب السياسات المالية. أما تونس فتعيش وضعاً ماليا صعبا جعلها تتراجع إلى تصنيفات دنيا تعكس ارتفاع المخاطر السيادية، ما يعقد حصولها على التمويلات الخارجية. وفي مصر، لا تزال الضغوط المالية وارتفاع الدين الخارجي تبقي التصنيفات الائتمانية في مستويات متوسطة إلى ضعيفة، رغم بعض المؤشرات الإيجابية في الاستثمار والبنية التحتية.

مقارنة بهذه الأوضاع، يبرز المغرب اليوم كأكثر الاقتصادات استقرارا وجاذبية في شمال إفريقيا بفضل الجمع بين تنويع مصادر الدخل والإصلاحات العميقة والانفتاح على الشراكات الدولية. هذا الموقع المميز يمنحه فرصة لتكريس ريادته الإقليمية وتحويل التصنيف الجديد إلى أداة عملية لجذب الاستثمارات العالمية وجعل المملكة بوابة رئيسية للأسواق الإفريقية والأوروبية.

في المحصلة، يمكن القول إن رفع تصنيف المغرب إلى “BBB-/A-3” يمثل شهادة ثقة دولية في الاقتصاد الوطني ورؤية قيادته الإصلاحية، وفرصة سانحة لتعزيز الاستثمار والنمو وخلق مناصب الشغل. لكنه في المقابل يضع على عاتق صناع القرار مسؤولية كبرى لمواصلة الإصلاحات وتسريع وتيرتها، حتى لا يتحول هذا الإنجاز إلى محطة عابرة بل إلى منعطف تاريخي في مسار التنمية الشاملة.