في تطور غير مسبوق يعكس حجم الارتباك داخل هرم السلطة في الجزائر، تمكن الجنرال السابق عبد القادر حداد المعروف بلقب "ناصر الجن" من مغادرة البلاد خلسة عبر قارب سريع مخصص للهجرة السرية في اتجاه السواحل الإسبانية. ويأتي هذا الهروب بعد أقل من أربعة أشهر على إقالته من منصبه كمدير لجهاز المخابرات الداخلية في الثاني والعشرين من ماي الماضي وإيداعه السجن لأسابيع، قبل أن يفرج عنه في سياق التوترات التي تعصف بالمؤسسة العسكرية والأمنية.
ويُعد "ناصر الجن" من أبرز الشخصيات المثيرة للجدل في تاريخ الاستخبارات الجزائرية. حيث ارتبط اسمه بقضايا اختطاف واغتيالات استهدفت معارضين بارزين داخل الجزائر وخارجها خلال سنوات العشرية السوداء. هذا السجل جعل منه شخصية نافذة في دوائر النظام وسببا في تلقيبه بـ"اليد السوداء". كما سبق أن ورد اسمه في تقارير عن محاولات لاختطاف المعارض هشام عبود في إسبانيا وأمير بوخرص المعروف بـ"أمير ديزاد" في فرنسا، وهي محاولات فسرت كجزء من سعي النظام الجزائري لإسكات الأصوات المعارضة بالخارج.
غير أن فراره عبر وسيلة لا يلجأ إليها عادة إلا المهاجرون غير النظاميين شكل صدمة مدوية للنظام نفسه الذي اعتاد تقديم أجهزته الأمنية باعتبارها قادرة على إحكام قبضتها على الداخل والخارج. هذا التطور يفضح في العمق حجم الانقسامات التي باتت تتحكم في دوائر القرار، حيث أضحت تصفية الحسابات بين الجنرالات واقعا لا يمكن إنكاره. إذ يضع هروب حداد النظام أمام صورة قاتمة في الداخل ويؤكد للجزائريين أن حتى كبار القادة الأمنيين لم يعودوا آمنين. كما أنه يفتح الباب أمام تداعيات خطيرة في الخارج خصوصا إذا قرر "ناصر الجن" كشف ملفات حساسة تتعلق بسنوات الإرهاب أو بعمليات سرية نفذها الجهاز ضد معارضين في أوروبا.
هذا الحدث يعيد إلى الواجهة هشاشة التوازنات داخل المؤسسة العسكرية التي تواصل إقالة وملاحقة كبار مسؤوليها منذ سنوات في محاولة لإعادة ترتيب بيتها الداخلي. لكنه في الوقت نفسه يكشف أن النظام بات رهينة لصراعاته، وأن أدواته القديمة التي استخدمها لتكميم المعارضة قد تنقلب عليه وتتحول إلى خطر يهدد استقراره وصورته الإقليمية والدولية.
بذلك إن فرار "ناصر الجن" لا يمثل مجرد حادثة أمنية، بل يعكس لحظة فارقة تؤكد أن الجزائر تدخل مرحلة جديدة من عدم اليقين السياسي والأمني، مرحلة قد تفرز مزيدا من الانشقاقات وتضعف قبضة المؤسسة العسكرية على الحكم، ما يفتح الباب على سيناريوهات غامضة لمستقبل البلاد