الأربعاء، 10 ديسمبر 2025

الرئيس السابق للبرازيل بولسونارو خلف القضبان: 27 عاما بتهمة محاولة الانقلاب


شهدت البرازيل حدثا سياسيا وقضائيا غير مسبوق بعدما قضت المحكمة العليا بسجن الرئيس السابق جايير بولسونارو سبعة وعشرين عاما وثلاثة أشهر، إثر إدانته بمحاولة الانقلاب على الحكومة بعد خسارته الانتخابات الرئاسية سنة 2022. هذا الحكم التاريخي يعكس صرامة القضاء البرازيلي، لكنه يفتح في الوقت نفسه بابا واسعا أمام أسئلة عميقة حول مستقبل الديمقراطية في البلاد.
 
القضاة الذين أصدروا الحكم اعتبروا أن بولسونارو لم يكن مجرد متفرج على أحداث العنف التي اجتاحت برازيليا في يناير 2023، بل كان العقل المدبر لمحاولة تقويض النظام الديمقراطي عبر تشجيع أنصاره على اقتحام مؤسسات الدولة. التهم التي وجهت إليه شملت الانخراط في منظمة إجرامية مسلحة والتحريض على قلب النظام الديمقراطي والتسبب في أضرار جسيمة للممتلكات العامة. فريق الدفاع عن الرئيس السابق أعلن أنه سيطعن في الحكم، متهما خصومه بتسييس الملف.
 
ردود الفعل لم تقتصر على الداخل البرازيلي. ففي واشنطن، وصف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الحكم بأنه مطاردة ساحرات، بينما تعهد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بأن الولايات المتحدة سترد على هذه الخطوة دون أن يكشف عن طبيعة الرد. الحكومة البرازيلية بدورها ردت بصرامة، مؤكدة استقلال القضاء ورفضها أي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية.
 
على الصعيد الداخلي، عمّق الحكم الانقسام السياسي الحاد الذي تعرفه البرازيل. أنصار بولسونارو اعتبروا القرار محاولة لإبعاده نهائيا عن الساحة السياسية وتحويله إلى كبش فداء، بينما رأى خصومه أن الإدانة تمثل انتصارا للديمقراطية وتأكيدا على أن لا أحد فوق القانون. هذا الانقسام مرشح للتفاقم مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، حيث يتوقع أن يتحول بولسونارو إلى رمز للمعارضة اليمينية وورقة سياسية قد تستثمرها قوى عديدة.
 
الأبعاد الاستراتيجية للحكم تتجاوز حدود البرازيل. الولايات المتحدة تبدو منقسمة بين إدارة بايدن التي تدعم المؤسسات الديمقراطية في البرازيل والجناح الجمهوري الذي ينظر إلى بولسونارو باعتباره حليفا إيديولوجيا. هذا التباين قد يعيد رسم طبيعة العلاقة بين البلدين في المرحلة المقبلة، خاصة وأن البرازيل تمثل قوة صاعدة داخل أمريكا اللاتينية وفاعلا مؤثرا على الساحة الدولية.
 
أما السيناريوهات المحتملة لمستقبل بولسونارو فتتوزع بين ثلاثة مسارات رئيسية. الأول أن يظل تحت طائلة العقوبة ويخرج نهائيا من المشهد السياسي، وهو ما سيضع حدا لطموحاته، لكنه سيحول دون تهديد مباشر للنظام الديمقراطي. الثاني أن يستفيد من عفو محتمل في حال تغير التوازنات السياسية، وهو سيناريو لا يمكن استبعاده في ظل الضغوط التي قد تمارسها المعارضة وأنصاره. أما السيناريو الثالث فهو تحوله إلى رمز معارض يشحن الشارع ضد المؤسسات، وهو ما قد يضع البرازيل أمام مرحلة جديدة من التوتر وعدم الاستقرار.
 
في كل الأحوال، يشكل هذا الحكم زلزالا سياسيا بكل المقاييس، ليس فقط لأنه أدان رئيسا سابقا، بل لأنه رسم خطا فاصلا بين مرحلتين في تاريخ البرازيل: مرحلة طغت عليها المخاطر التي تهدد الديمقراطية، وأخرى تحاول فيها المؤسسات إثبات قدرتها على حماية الدولة من أي نزوع سلطوي.