كشف وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، عن التوصل إلى صيغة توافقية لمشروع مرسوم جديد من شأنه، عند المصادقة عليه، أن يفضي إلى خفض ملموس في أسعار الأدوية، وتحقيق نوع من التوازن بين حماية المستهلك وتحفيز التصنيع المحلي.
وقال الوزير، خلال جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس النواب اليوم الاثنين، إن هذا النموذج الجديد يستند إلى مبادئ مبتكرة، من أبرزها تقليص آجال مراجعة الأسعار، وتنزيل الإصلاح بشكل تدريجي لضمان الاستقرار، إلى جانب الحفاظ على الأدوية منخفضة السعر، وتشجيع الإنتاج المحلي.
وتطرق المسؤول الحكومي إلى تفاصيل الاشتغال على هذا الورش، مشيرا إلى أن الوزارة اعتمدت مقاربة تشاركية موسعة شملت أكثر من 30 اجتماعا مع الفاعلين المعنيين، من فيدراليات صناعية وهيئات الصيادلة وصناديق التأمين. وقد أسفر هذا المسار التشاوري عن التوصل إلى صيغة توافقية للمرسوم المرتقب.
وأكد الوزير أن الحكومة جعلت من إصلاح نظام تسعير الأدوية خيارا سياديا ومسؤولا، يتجاوز الطابع التقني نحو بعد اجتماعي واقتصادي عميق، يرمي إلى تعزيز القدرة الشرائية للمواطنين، وتحقيق الإنصاف في الولوج إلى الدواء، وتحفيز الاستثمار الوطني في قطاع استراتيجي.
وأوضح التهراوي أن مشروع المرسوم بلغ مرحلته النهائية، وسيعرض قريبا على مسطرة المصادقة في مجلس حكومي مرتقب.
وفي سياق متصل، أشار الوزير إلى إحداث الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية بموجب القانون 10.22، والتي ستمثل حجر الزاوية في ترسيخ السيادة الدوائية، من خلال إشرافها على تنفيذ الإصلاحات الجديدة، ومواكبتها بورش رقمي طموح يهم رقمنة التراخيص والإجراءات، مع اعتماد الذكاء الاصطناعي في تقييم الأبحاث السريرية، وإطلاق منصة متكاملة للتتبع والدفع والتوقيع الإلكتروني لفائدة كافة الفاعلين في القطاع.
كما أوضح التهراوي أن الوكالة تستعد لإحداث مرصد وطني للأدوية كآلية استراتيجية لرصد الأسعار، وتوقع الانقطاعات، وتحليل دينامية السوق، مشددا على أن الهدف من ذلك هو دعم القرار العمومي المبني على المعطيات الدقيقة، وضمان شفافية وتوازن السوق الدوائية على الصعيد الوطني.
ومن جانب آخر، كشف الوزير عن مشروع إحداث منصة لوجستيكية وطنية موحدة لتموين المؤسسات الصحية العمومية بالأدوية والمستلزمات الطبية، تستجيب لحاجيات المجموعات الصحية الترابية، مع تقليص الهدر الناتج عن الانقطاعات أو انتهاء صلاحية الأدوية، والذي يمثل خسائر سنوية مرتفعة ضمن ميزانية تقدر بـ 3,6 مليار درهم، وسيتم تفعيل هذا النظام بشكل تدريجي خلال 18 شهرا .
أما بخصوص تعزيز السيادة اللقاحية، فقد أعلن التهراوي عن انطلاق مشروع "ماربيو" بمدينة بنسليمان، لتغطية 100% من حاجيات برنامج التلقيح الوطني بحلول سنة 2027، مشيرا إلى توقيع عقود تموين مع الشركة تتعلق بثلاثة لقاحات رئيسية تشمل المكورات الرئوية، والسحايا، واللقاح السداسي، مع تخصيص أكثر من مليار درهم لتأمين 5,4 مليون جرعة خلال سنتي 2025 و2026.
وأشار الوزير إلى أنه يتابع هذا الملف بشكل مباشر، حيث تم إحداث لجنة علمية خاصة لتحيين الجدول التلقيحي الوطني والمصادقة على اللقاحات الأولى المصنعة محليا، موضحا أن الشركة شرعت فعليا في عملية الإنتاج، ومن المرتقب أن تزود المنظومة الصحية بأول دفعات اللقاحات قبل نهاية سنة 2025.
وشدد أمين التهراوي على أن هذا الورش العميق لا يعالج فقط اختلالات ظرفية، بل يؤسس لنموذج وطني دوائي ولقاحي جديد، يرتكز على السيادة، والشفافية، والتصنيع المحلي، والتوزيع العادل، ضمن رؤية استراتيجية تضع صحة المواطن وكرامته في صلب الأولويات.
وأضاف الوزير أن النموذج المعتمد يتضمن إجراءات من شأنها دعم الاستقرار في سوق الدواء، عبر إصلاح تدريجي وشامل يراعي التوازن بين القدرة الشرائية للمواطن وتحقيق إقلاع صناعي في القطاع الصيدلي.
واستعرض وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، تفاصيل إصلاح غير مسبوق يشمل السياسة الدوائية الوطنية، باعتبارها أحد الأعمدة الجوهرية في مسار تأهيل المنظومة الصحية، وذلك في انسجام تام مع التوجيهات الملكية السامية والركائز الأساسية للورش الملكي لتعميم الحماية الاجتماعية.
وشدد الوزير على أن هذا الإصلاح يهدف إلى ضمان العدالة في الولوج إلى الدواء، وترسيخ السيادة الصحية الوطنية، من خلال مراجعة عميقة وشاملة لنظام تسعير الأدوية، وإعادة هيكلة سلاسل التموين والتوزيع، وتوسيع التصنيع المحلي. كما أبرز أن القانون الإطار 06.22 المتعلق بالمنظومة الصحية الوطنية يعد لحظة فاصلة في هذا المسار، إذ نص صراحة على ضرورة إرساء سياسة دوائية وطنية تضمن الوفرة والجودة والتكلفة الملائمة للأدوية والمستلزمات الطبية.
وأشار التهراوي إلى أن أسعار الأدوية لا تزال تمثل عبئا ثقيلا على كاهل الأسر وعلى منظومة الحماية الاجتماعية، مبرزا أن نفقات تعويض الأدوية ارتفعت بنسبة 31% بين سنتي 2022 و2024، وهو ما يشكل ضغطا مباشرا على الميزانيات العمومية، خاصة بعد تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض.