أنهت فرنسا رسميًا وجودها العسكري الدائم في السنغال، بعد أن سلمت يوم الخميس آخر منشأة عسكرية كبرى لها في البلاد، في خطوة تعد محطة مفصلية في انسحابها الأوسع من منطقة غرب إفريقيا. وقام قائد القوات الفرنسية في إفريقيا، الجنرال باسكال إياني، بتسليم مفتاح معسكر "غييل" في العاصمة داكار خلال حفل رسمي، رُفع فيه العلم السنغالي على أنغام النشيد الوطني بحضور ضباط من كلا البلدين.
وقال إياني في تصريحه خلال لقاء مع الصحافة إن "تسليم معسكر غييل اليوم يمثل مرحلة جديدة في تطور الشراكة بين قواتنا المسلحة"، مشيرا إلى أن الخطوة جاءت استجابة لرغبة السلطات السنغالية في إنهاء وجود قوات أجنبية دائمة على أراضيها. وكان الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي قد أعلن العام الماضي أن وجود قواعد عسكرية فرنسية لم يعد يتماشى مع سيادة السنغال، داعيا إلى نقلها إلى الجانب السنغالي.
وبدأت عملية الانسحاب منذ مارس الماضي حين سلمت فرنسا قاعدتين عسكريتين إضافيتين في داكار، على أن تُستكمل العملية بحلول نهاية هذا العام. وتميزت عملية الانسحاب من السنغال بطابع ودي مقارنة بما شهدته دول إفريقية أخرى مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر، حيث أجبرت الأنظمة العسكرية هناك القوات الفرنسية على الخروج واستبدلتها بتعاون أمني مع روسيا لمواجهة التمردات الجهادية. كما أنهت تشاد، الحليف الغربي الرئيسي في الحرب على المتطرفين الإسلاميين، بشكل مفاجئ اتفاقية الدفاع مع فرنسا العام الماضي، ما اضطر الأخيرة إلى سحب قواتها من البلاد.
ومع تقليص وجودها العسكري في غرب ووسط إفريقيا، أعلنت فرنسا أنها ستركز مستقبلا على التدريب وتبادل المعلومات الاستخباراتية والاستجابة لطلبات الدعم من الدول الشريكة عند الحاجة. وأشار الجنرال إياني إلى أن الوجود العسكري الفرنسي في السنغال يعود إلى أكثر من قرنين من الزمن، لكن المرحلة الراهنة تتطلب تغييرا في نمط الشراكة.
من جانبه، أكد الجنرال مباي سيسيه، رئيس أركان القوات المسلحة السنغالية، أن الاتفاقية الجديدة ستتيح للسنغال مواصلة الاستفادة من برامج التدريب وتبادل المعلومات، متمنيا عودة آمنة للجنود الفرنسيين إلى بلادهم، ومشددا على أن التاريخ المشترك الطويل بين البلدين يجب أن يكون أساسا متينا لتعزيز التعاون.
وكانت فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، قد تعرضت لانتقادات بسبب استمرار وجودها العسكري في السنغال رغم مرور عقود على استقلال البلاد في عام 1960. كما ما تزال السنغال تطالب باريس بفتح تحقيق شفاف في مذبحة عام 1944 التي راح ضحيتها جنود أفارقة قاتلوا إلى جانب فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية.