في دراسة رائدة أجراها باحثون من جامعة ابن طفيل بالقنيطرة، تمكن فريق علمي من توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي، وخاصة خوارزمية LightGBM، للتنبؤ بدقة عالية بتغيرات المخزون الجوفي للمياه في جهة الرباط–سلا–القنيطرة، اعتمادا على بيانات مناخية وصور أقمار اصطناعية. وتعد هذه المقاربة ابتكارا علميا مهما لمواجهة أزمة ندرة المياه في المنطقة، التي تعد إحدى أبرز الأقاليم الاقتصادية في المغرب، إذ تحتضن 4.6 ملايين نسمة وتساهم بأكثر من 15 في المائة من الناتج الداخلي الخام.
واعتمدت الدراسة، التي غطت فترة 2010-2022 وشملت تسعة مواقع حضرية وزراعية وساحلية، على ثلاثة متغيرات أساسية: شذوذات المخزون الجوفي المستخلصة من أقمار GRACE التابعة لوكالة "ناسا"، ومعطيات التساقطات المطرية من قاعدة CHIRPS، ومتوسط درجات الحرارة السطحية من أقمار MODIS. وبعد معالجة دقيقة للبيانات، جرى اختبار ستة نماذج للتعلم الآلي، غير أن خوارزمية LightGBM أثبتت تفوقا لافتا بدقة شبه مطلقة وهامش خطأ جد منخفض.
وأظهرت النتائج أن LightGBM قادرة على تتبع دورات التغذية والاستنزاف الموسمية للمياه الجوفية ورصد الانعكاسات الفورية للتساقطات المطرية، متفوقة بذلك على بقية النماذج التي عانت من بطء أو أخطاء في التقدير. وتبرز أهمية هذا الإنجاز في كونه يقدم أداة تنبؤية دقيقة يمكن توظيفها في رسم سياسات مائية أكثر استباقية وفعالية، بما في ذلك تحديد حدود الاستغلال، وإطلاق مبادرات للتغذية الاصطناعية، وضبط التوازن بين الحاجيات الفلاحية والصناعية والمنزلية.
ويرى الباحثون أن اعتماد هذه النماذج لا يقتصر على المغرب وحده، بل يمكن أن يشكل نموذجا يحتذى به في مناطق أخرى تعاني من الإجهاد المائي. كما دعوا إلى تطوير أبحاث مستقبلية تدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي العميق مع النماذج الهيدرولوجية الفيزيائية لتعزيز الدقة وقابلية التفسير.