انطلقت في مدينة تيانجين الصينية، اليوم الأحد، أعمال قمة منظمة شنغهاي للتعاون بمشاركة قادة روسيا والهند وإيران وتركيا وأكثر من عشرين دولة من أوراسيا، في محطة اعتُبرت الأهم منذ تأسيس المنظمة عام 2001. وتأتي القمة وسط سياق عالمي مضطرب يتسم بالحرب الروسية على أوكرانيا والتوترات التجارية مع الولايات المتحدة والجدل المتصاعد حول الملف النووي الإيراني.
وشهدت تيانجين إجراءات أمنية غير مسبوقة، مع نشر مركبات مصفحة وإغلاق محاور مرورية رئيسية، فيما رفعت لافتات ضخمة تروج لـ "روح الثقة المتبادلة" بين بكين وموسكو. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وصل بعيدا عن الإعلام، لكنه يقود وفدا سياسيا واقتصاديا كبيرا، بينما سبقه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في أول زيارة له إلى الصين منذ سبع سنوات، حيث كان في استقباله الرئيس الصيني شي جينبينغ، في خطوة عكست تقاربا ملحوظا بين القوتين الآسيويتين رغم التوترات الحدودية القديمة بينهما.
وتحولت القمة إلى منصة لإبراز مكانة الصين كلاعب محوري يسعى إلى تقديم نموذج جديد للعلاقات الدولية يقوم على التعددية، في مواجهة الهيمنة الغربية. وتُظهر المشاركة الواسعة للزعماء من آسيا وأوروبا أن منظمة شنغهاي باتت تمثل قوة موازنة لحلف شمال الأطلسي، إذ تضم عشر دول أعضاء وست عشرة دولة بصفة مراقب أو شريك، وهو ما يشكل نحو نصف سكان العالم وأكثر من 23 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
ورغم الخلافات داخل المنظمة، خصوصا بين الصين والهند، فإن جدول الأعمال يعكس محاور استراتيجية بالغة الأهمية، من بينها الحرب في أوكرانيا، حيث يلتقي بوتين نظيره التركي رجب طيب أردوغان لبحث سبل التوصل إلى تسوية، إضافة إلى لقاء مرتقب مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لمناقشة الملف النووي. كما ينتظر أن يجتمع بوتين بالرئيس الصيني الثلاثاء في بكين، على أن يشارك لاحقا في استعراض عسكري ضخم بمناسبة الذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية، بحضور الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون.
ويعتبر مراقبون أن القمة، حتى وإن لم تخرج بقرارات عملية ملموسة، فإنها تؤشر إلى مرحلة جديدة من العلاقات الدولية، حيث تحاول بكين ترسيخ صورتها كقوة استقرار تجمع بين شركاء متناقضين، وتضع نفسها في قلب مشهد عالمي يتجه أكثر فأكثر نحو التعددية القطبية.