تتفاعل الساحة السياسية والشارع المغربي مع القفزة الصاروخية التي حققتها شركة "فارمابروم"، بعدما تضاعفت أرباحها بنحو مئتين في المئة خلال سنة واحدة، في وقت يعيش فيه ملايين المغاربة ضغطا خانقا بسبب ارتفاع أسعار الدواء وصعوبة ولوج العلاج. هذا التحول المفاجئ لم يكن ليمر بصمت، خصوصا مع تداول واسع لأسئلة في البرلمان والإعلام تربط الشركة باسم الوزير برادة، الأمر الذي زاد الغموض اشتعالا، وفتح باب الشكوك على اتساعه داخل قطاع يفترض أن تحكمه أعلى درجات الشفافية.
فكيف لشركة كانت قبل فترة قصيرة تواجه مؤشرات مالية مقلقة أن تتحول بهذه السرعة إلى لاعب يحقق أرباحا استثنائية؟ وكيف يحدث ذلك في سوق دوائي معروف بشبه ركود، وبشكايات مستمرة من الارتفاع الكبير في الأسعار؟ هذه الأسئلة لم تجد بعد إجابة واضحة، ما يجعل القفزة أقرب إلى لغز سياسي منها إلى إنجاز اقتصادي.
جزء كبير من الجدل يرتبط أيضا بتزامن هذه الطفرة المالية مع صفقات عمومية ورخص استيراد أثارت نقاشا حادا داخل المؤسسة التشريعية. تساؤلات عديدة تطرح حول مدى انعكاس تخفيض الرسوم الجمركية على المواطن، إذ يشير واقع السوق إلى أن الأسعار بقيت ثابتة أو ارتفعت، بينما الأرباح وحدها هي التي صعدت. وفي غياب تفسير رسمي مقنع، يبدو أن الخيط الرفيع بين الامتياز الاقتصادي المشروع واحتمال تضارب المصالح أصبح موضوعا مطروحا بقوة.
على ضوء كل هذه المعطيات، أعلنت الحكومة فتح تحقيق. لكن التحقيق الذي لا يقدم معطيات مفصلة ولا نتائج محددة يبقى خطوة شكلية لا تكفي لإسكات الأسئلة. فعندما يرتبط الجدل باسم وزير داخل الحكومة، يكون واجب الشفافية مضاعفا، لأن أجل ما يفقده المواطن حين يختل ميزان المعلومة هو الثقة، لا المال فقط.
إن أزمة "فارمابروم" ليست مجرد أرقام مالية، بل مرآة تعكس توترا كامنا داخل قطاع حساس. فالمغاربة لا يريدون معرفة كم ربحت الشركات، بل لماذا لا يربحون هم شيئا من الإصلاحات الموعودة، ولماذا لا يترجم تخفيض الرسوم إلى تخفيض في ثمن الدواء. القضية لم تعد تخص شركة واحدة، بل تمس النموذج كله: نموذج التسعير، والصفقات، والرقابة، ومسؤولية الدولة في حماية صحة المواطن من أي شبهة استغلال أو انفراد بالسوق.
وفي النهاية، يبقى السؤال الأكبر معلقا: هل ستكشف الجهات الرسمية الحقائق كاملة حول ما قد يبدو شبهة تضارب مصالح، أم سيظل المواطن يدفع فاتورة الغموض… بينما ترتفع أرباح البعض بلا سقف؟