الأربعاء، 10 ديسمبر 2025

تصاعد دعم اليمين المتطرف يعيد فرانكو إلى واجهة الجدل في إسبانيا


يشهد تصاعد الدعم لليمين المتطرف في إسبانيا عودة ذكريات الديكتاتور الراحل فرانسيسكو فرانكو، وإعادة تلميع صورته لدى فئة من الشباب الإسباني غير الراضين، في وقت تسعى فيه الحكومة اليسارية إلى إزالة رموز الماضي الفاشي. وتنتشر على شبكات التواصل الاجتماعي مقاطع مصطنعة بالذكاء الاصطناعي تظهر فرانكو وهو يهاجم مشكلات العصر الحديث، إلى جانب دروس تاريخية تقدم روايات مراجعة للواقع، وحتى نواد ليلية تبث نسخا تقنية من النشيد الفاشي لفترة حكمه.

وأظهر استطلاع للرأي أجراه المعهد الحكومي للإحصاء الشهر الماضي أن أكثر من واحد من كل خمسة إسبان، بنسبة 21.3 في المائة، يرون أن حقبة فرانكو كانت "جيدة" أو "جيدة جدا" للبلاد، مقارنة بـ 11.2 في المائة عام 2000. وفي استطلاع آخر أجري في يوليوز الماضي، قال 17.3 في المائة من الإسبان الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما إنهم يفضلون حكومة سلطوية على نظام ديمقراطي، وهي زيادة بنحو عشر نقاط مقارنة بعام 2009.

وينقسم الإسبان بحدة على أساس المواقف اليمينية واليسارية في كيفية التعامل مع إرث الديكتاتورية التي استمرت أربعة عقود بعد الحرب الأهلية في الفترة 1936-1939، والتي انتهت بوفاة فرانكو قبل خمسين عاما عن عمر ناهز 82 عاما. ولم تشهد إسبانيا الديمقراطية محاسبة تاريخية كتلك التي شهدتها دول أخرى ذات ماض مضطرب مثل جنوب إفريقيا بلجنة الحقيقة والمصالحة أو الشيلي التي سجنت جنرالات من حقبتها العسكرية.

ومنذ توليه الحكم عام 2018، كثف رئيس الوزراء بيدرو سانشيز جهود حكومته الاشتراكية، حيث عملت على استخراج رفات ضحايا الفرانكوية، وتصنيف مواقع القمع كأماكن للذاكرة الديمقراطية، وإزالة رموز الحقبة الفرانكوية من الأماكن العامة، وإطلاق حملات إعلامية تبرز فوائد الديمقراطية. ويطعن حزب الشعب المحافظ وحزب فوكس اليميني المتطرف في هذه الإجراءات أمام المحاكم، معتبرين أنها تخلق انقساما وتركز فقط على ضحايا طرف واحد.

وتستفيد الأحزاب اليمينية من موجة الغضب الشعبي تجاه التنازلات المقدمة للحركات الانفصالية وارتفاع الهجرة، وقد ضاعف حزب فوكس تقريبا من توقعات أصواته منذ عام 2023. وارتفعت نوايا التصويت لصالحه إلى 18.9 في المائة بحلول يوليوز، فيما تظهر استطلاعات المعهد الحكومي ارتفاع دعم الحزب بين الشباب من نسب ضعيفة عام 2019 إلى دعم مزدوج الرقم، خاصة بين الذكور.

ويرى المدافعون عن فرانكو أن الحياة كانت أكثر يسرا خلال فترة حكمه مقارنة بأزمات السكن وارتفاع تكاليف المعيشة التي تضغط اليوم على الشباب، رغم أن الواقع يقول بأن جميع المؤشرات الاقتصادية تحسنت بشكل كبير منذ رحيل فرانكو. ويشيرون أيضا إلى مشاريع الأشغال العامة مثل السدود والمستشفيات والإسكان، وإلى دوره في منع انتشار الشيوعية والحفاظ على وحدة إسبانيا كدولة عضو في الاتحاد الأوروبي.

ويؤكد مؤرخون أن نظام فرانكو أعدم عشرات الآلاف من المعارضين، وأدار شبكة واسعة من السجون ومعسكرات العمل القسري، ومارس التعذيب، وحظر الأحزاب السياسية والنقابات وحركات الانفصال، بينما كانت النساء بحاجة إلى إذن من أزواجهن أو آبائهن للقيام بمعاملات إدارية بسيطة. وفرض النظام الرقابة الصارمة واستخدم أجهزة الأمن السرية لتكريس النزعة القومية الإسبانية المتشددة والكاثوليكية المحافظة، فيما فر ملايين الأشخاص إلى المنفى هربا من القمع والمجاعة.

وتعهدت الحكومة المركزية في مدريد بحل مؤسسة فرانكو، وهي جمعية غير ربحية أسسها متعاطفون مع الديكتاتور، لكن العملية ستكون طويلة وستحسم في نهاية المطاف قضائيا.