تجد الجزائر نفسها اليوم في وضع دبلوماسي معقد عقب القرار الأممي الأخير بشأن الصحراء المغربية، والذي أعاد التأكيد بوضوح على أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل الأكثر واقعية وجدية ومصداقية. وبينما تزداد قناعة المجتمع الدولي بهذا المسار، تبدو الجزائر عالقة بين خطابها التقليدي المبني على خيار الاستفتاء والتحولات العميقة في أجندة مجلس الأمن الذي بات يركز على حل سياسي عملي ينسجم مع الطرح المغربي.
في مؤتمر صحافي أمس الثلاثاء، أعلن وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف أن بلاده لن تبخل بتقديم دعمها لأي مبادرة وساطة بين المغرب وجبهة البوليساريو، شرط أن تندرج ضمن الإطار الأممي. هذا الموقف، وإن بدا منسجما ظاهريا مع دعوات المجتمع الدولي، إلا أنه يحمل ترددا واضحا، إذ تعرض الجزائر الوساطة لكنها ترفض الأساس الذي يدعو إليه مجلس الأمن، أي التفاوض على أساس الحكم الذاتي.
ورغم أن القرار الأممي جاء متقدما لصالح الطرح المغربي، حاول وزير الخارجية الجزائري تقديم قراءة مختلفة، مشيرا إلى أن الوثيقة تضمنت مكاسب للبوليساريو. هذه القراءة تشكل محاولة لامتصاص صدمة التحول الدولي على الرأي العام الداخلي وعلى الجبهة التي تواجه تراجعا ملموسا في التأييد الخارجي مقارنة بالمغرب.
ويبرز ارتباك الجزائر أيضا في ملف المينورسو، حيث يعتبر المغرب أن البعثة جزء من مسار سياسي يقوم على حلول واقعية ومتفق عليها، بينما تصر الجزائر على أن مهمتها الأصلية هي تنظيم استفتاء تقرير المصير. إلا أن هذا الطرح لم يعد يجد دعما داخل مجلس الأمن، ما يجعل الخطاب الجزائري مفصولا عن الواقع الأممي الجديد ويزيد من حيرتها أمام مسار دولي لا يسير في اتجاه خياراتها.
كما اعتبر عطاف أن القرار رفع الطابع الحصري عن المبادرة المغربية، في محاولة لتقديم القرار على أنه متوازن، غير أن قراءة دقيقة تظهر أن مجلس الأمن لم يطرح أي بديل آخر، وأن لغته منذ سنوات تتحرك في اتجاه واحد هو دعم الحل السياسي القائم على الحكم الذاتي واعتباره المرجعية الأكثر جدية.
وتكشف المواقف الجزائرية مستويات واضحة من الحيرة السياسية، إذ تستمر في الحديث عن الاستفتاء رغم خروجه من النقاش العملي، وتعرض الوساطة رغم رفضها الأساس الذي تقوم عليه، وتجد نفسها في موقع الدفاع بينما يحقق المغرب مكاسب دبلوماسية متواصلة بفضل مبادرة الحكم الذاتي التي باتت تحظى بتأييد دولي متنام.
وفي الوقت الذي يرسخ فيه المغرب حضوره داخل المؤسسات الدولية، مدعوما بمواقف دول كبرى تشيد بواقعية الحكم الذاتي، تواجه الجزائر تحديا حقيقيا يتمثل في الاختيار بين الاستمرار في خطاب تقليدي لا يجد صدى دوليا أو الانخراط في مقاربة جديدة تتوافق مع مسار مجلس الأمن.
وهكذا، وضع القرار الأممي الأخير الجزائر أمام واقع سياسي غير مريح يقوم على تكريس الحكم الذاتي كمرجعية للتفاوض وتراجع تأثير خطاب الاستفتاء وظهور ضرورة ملحة لإعادة صياغة الموقف الجزائري، مع انكشاف حالة الحيرة في تصريحات المسؤولين. وبينما يتجه المجتمع الدولي بثبات نحو دعم حل يستند إلى السيادة المغربية على الصحراء، تجد الجزائر نفسها أمام مرحلة سياسية صعبة تعجز فيها عن الاعتراف بهذا التحول، كما لا تستطيع تجاهله.