الأربعاء، 10 ديسمبر 2025

زيارة ولي العهد السعودي إلى واشنطن تتركز على اتفاق دفاعي وتؤجل ملف التطبيع


يستعد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لزيارة واشنطن هذا الشهر للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في خطوة تترقبها الأوساط السياسية على نطاق واسع، وسط تكهنات حول إمكانية دفع العلاقات السعودية الإسرائيلية نحو التطبيع. ومع ذلك، تشير مصادر خليجية ودبلوماسية إلى أن الرياض لا تعتزم اتخاذ أي خطوة في هذا الاتجاه ما لم يتم التوصل إلى "خارطة طريق واضحة نحو إقامة دولة فلسطينية".

الرئيس ترامب عبر في أكثر من مناسبة عن تفاؤله بانضمام السعودية قريبا إلى الدول التي وقعت "اتفاقات أبراهام" عام 2020، وهي الإمارات والبحرين والمغرب، معتبرا أن انضمام المملكة سيكون "الحدث الأكبر" في مسار التطبيع. إلا أن الرياض أبلغت واشنطن رسميا أن موقفها لم يتغير، وأن أي اتفاق مع إسرائيل يجب أن يكون جزءا من إطار سياسي جديد يشمل تسوية نهائية للقضية الفلسطينية، وليس مجرد امتداد لاتفاقات سابقة.

مصادر مطلعة أوضحت أن الاتصالات السعودية الأمريكية الأخيرة ركزت على ضرورة تنسيق المواقف قبل إعلان أي مخرجات بعد لقاء البيت الأبيض المقرر في 18 نونبر، لتجنب أي لبس أو تباين في الرسائل. وقال الخبير الأمريكي جوناثان بانيكوف، المسؤول الاستخباراتي السابق، إن ولي العهد "لن يوافق على أي خطوة رسمية تجاه التطبيع دون رؤية طريق واقعي نحو إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة"، مرجحا أن يسعى لاستغلال لقائه مع ترامب لـ"انتزاع دعم أمريكي أكثر وضوحا لهذه الرؤية".

وتأتي هذه التطورات في ظل استمرار التوتر بين الموقف السعودي الرافض لتهميش القضية الفلسطينية، والموقف الإسرائيلي الرافض لفكرة الدولة الفلسطينية بقيادة بنيامين نتنياهو. وتؤكد الرياض أن أي مسار نحو التطبيع يجب أن يسبقه انسحاب إسرائيلي من غزة وفق جدول زمني محدد، ونشر قوة حماية دولية، وإعادة تمكين السلطة الفلسطينية في القطاع، كما صرحت بذلك مسؤولة الخارجية السعودية منال رضوان.

وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن السعودية ترى أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل في الوقت الراهن "سيكون صعبا للغاية" بسبب رفض الرأي العام العربي لسياسات تل أبيب تجاه غزة واستمرار العمليات العسكرية رغم الهدنة الهشة.

وبعيدا عن ملف التطبيع، من المتوقع أن تتركز المباحثات بين ترامب ومحمد بن سلمان على توقيع اتفاق دفاعي استراتيجي يعيد صياغة الشراكة الأمنية بين البلدين. ويهدف هذا الاتفاق إلى تحديد نطاق الحماية العسكرية الأمريكية للمملكة، وتعزيز التعاون الدفاعي والتكنولوجي، وترسيخ الوجود الأمريكي في الخليج.

لكن الاتفاق المرتقب، وفق مصادر خليجية وغربية، سيكون محدودا مقارنة بمعاهدة دفاع كاملة تحتاج إلى تصديق الكونغرس. فهو مستوحى من التفاهم الأمني الأمريكي القطري الموقع عام 2023، ويتيح تعاونا موسعا في مجالات التكنولوجيا والدفاع، مع بند يسمح بتحويل الاتفاق مستقبلا إلى معاهدة رسمية في حال تحققت ظروف التطبيع مع إسرائيل.

ويرى محللون أن ربط الصفقة الدفاعية بملف التطبيع والدولة الفلسطينية خلق "معادلة تفاوضية معقدة"، دفعت الرياض وواشنطن إلى القبول باتفاق محدود مؤقتا، على أن يتطور لاحقا إذا تحقق تقدم سياسي في الملفات الأخرى.

تبدو فرص توقيع معاهدة دفاعية شبيهة بحلف الناتو بعيدة، خاصة مع تراجع التهديد الإيراني الذي كان دافعا أساسيا وراء السعي السعودي لتأمين ضمانات أمريكية ملزمة. فإيران، وفق محللين، تعرضت لسلسلة من الضربات الإسرائيلية التي أضعفت قدراتها النووية والعسكرية، كما تقلص نفوذ وكلائها في المنطقة، من حزب الله إلى الحوثيين وحماس.

هذا التراجع جعل الرياض أقل استعجالا لعقد معاهدة ملزمة، خصوصا أن مثل هذا الاتفاق قد يفرض عليها قيودا على علاقاتها الاقتصادية المتنامية مع الصين. ووفق مصادر خليجية، يتضمن الاتفاق الدفاعي الجاري التفاوض عليه بنوداً تحد من التعاون العسكري الصناعي بين السعودية وبكين، مقابل تسريع صفقات تسليح أمريكية متقدمة لطالما تعطلت بسبب العراقيل السياسية.

في المحصلة، تسعى الرياض إلى تحقيق توازن دقيق بين طموحها في تأمين مظلة دفاعية أمريكية قوية، وتمسكها بموقفها الثابت تجاه القضية الفلسطينية، في وقت يبدو فيه أن إدارة ترامب تفضل خطوات تدريجية تبقي الباب مفتوحا أمام "اتفاق أكبر" في المستقبل.