أثار الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش تفاعلات واسعة داخل الأوساط السياسية والإعلامية، لما حمله من رسائل دقيقة وحاسمة بشأن النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء. وفي هذا السياق، وفي تصريح حصري لمنصة إم ديلي، يقدم رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان محمد سالم عبد الفتاح قراءة معمقة لما تضمنه الخطاب من مواقف استراتيجية ورؤى واقعية.
يؤكد عبد الفتاح أن الخطاب "جمع بين وضوح الرؤية من خلال الصرامة في الدفاع عن السيادة الوطنية، وواقعية الطرح عبر التعبير عن إرادة سياسية منفتحة على سبل التسوية العادلة والممكنة لنزاع مفتعل عمر طويلا وكلف بلدان المنطقة الكثير". ويشير إلى أن الملك شدد مرة أخرى على "تقدير المملكة البالغ للمواقف الدولية المتزايدة التي تنخرط في دعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي، بوصفها الإطار الأوحد لتسوية النزاع، ضمن احترام سيادة المغرب ووحدته الترابية".
ويرى الخبير في شؤون الصحراء أن التنويه الملكي الصريح بالمملكة المتحدة والبرتغال، "كدولتين صديقتين انخرطتا مؤخرا في دعم هذا التصور، إنما يعكس التحول النوعي الذي يشهده التفاعل الدولي مع الملف، كما يبرز فعالية الدبلوماسية المغربية التي تشتغل وفق رؤية متكاملة توازن بين الثبات على المبادئ، المتمثلة في الحفاظ على سيادة المملكة ووحدتها الترابية، إلى جانب الانفتاح على آفاق التسوية في إطار من التوافق الذي يحفظ مصالح الأطراف وينأى بالمنطقة عن منطق الصراع المفتوح والرهانات الخاسرة".
ويضيف عبد الفتاح أن الخطاب جاء منسجما مع تصور سياسي عقلاني جدد فيه الملك "تمسكه بسياسة اليد الممدودة تجاه الجارة الجزائر، في تأكيد على أولوية الحوار بين الأشقاء، وعلى الإيمان العميق بضرورة تجاوز منطق القطيعة والانغلاق، لصالح آفاق أرحب من التواصل والتعاون". ويرى أن هذه الرسالة "تستمد قوتها من الروابط المتينة التي تجمع الشعبين، والتي تعود بجذورها إلى مشترك حضاري وتاريخي لا يمكن أن يلغى أو يختزل في خلاف سياسي عابر".
وفي تحليله لرسائل الخطاب الإقليمية، يوضح الخبير أن الملك "لا يضع الجزائر خارج المعادلة، بل يوجه رسالة واضحة مفادها أنه لا مستقبل لأي مشروع مغاربي دون انخراط مسؤول وفعلي من طرف البلدين معاً باعتبارهما القوتين الإقليميتين في المنطقة المغاربية". ويبرز أن "الرهان على بناء الاتحاد المغاربي بات ضرورة إقليمية تفرضها التحديات المشتركة، سواء على المستوى الأمني أو التنموي أو الاستراتيجي، والتي لا يمكن التعامل معها إلا في إطار من التنسيق الجماعي والاندماج الإقليمي".
ويعتبر عبد الفتاح أن الخطاب الملكي "عكس وضوح مواقف المملكة وواقعية طرحها، إلى جانب استعدادها الدائم للانخراط في الجهود الرامية إلى حل نهائي لهذا النزاع المفتعل، دون أن تفرط في حقوقها التاريخية أو تتنازل عن سيادتها الوطنية، لكن أيضاً دون أن تغلق الباب أمام أي فرصة لبناء مغاربي يعكس منطق التكامل ويؤسس لمستقبل مشترك بين الأشقاء، في ظل الاحترام المتبادل، وفق مبادئ حسن الجوار والتسوية السلمية للنزاعات والتعاون المشترك".
ويخلص الخبير إلى أن خطاب العرش لهذا العام "لم يكن مجرد تأكيد للمواقف الثابتة للمملكة، بل جاء ليضع تصورا عمليا للمستقبل القريب، ويجدد الالتزام بمسار الحل السلمي للنزاع المفتعل في إطار يحفظ سيادة المغرب ويحقق استقرار المنطقة، ويمنح شعوبها فرصة حقيقية لتحقيق التنمية والازدهار".